خطة ترامب لغزة: بين الإدارة الدولية وإبعاد المقاومة الفلسطينية
أثارت النقطة التاسعة في خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لوقف الحرب على غزة جدلا واسعا، بعدما نصّت على تشكيل لجنة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط غير السياسيين لإدارة شؤون القطاع تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة تُسمّى "مجلس السلام"، يرأسها ترامب نفسه إلى جانب شخصيات دولية بارزة مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
وبينما يراها البعض محاولة لإيجاد إدارة محايدة تُعنى بالخدمات اليومية بعيداً عن الانقسامات الداخلية، يعتبرها آخرون خطوة نحو تدويل غزة وتهميش القيادة والمقاومة الفلسطينية، ما يفتح باباً واسعاً للنقاش حول جدوى هذه الفكرة وتداعياتها السياسية والقانونية والاجتماعية.
ويقوم الأساس غير المعلن في هذه الخطة على تحجيم دور حركة حماس وتعتيم حضورها كلياً في المشهد الإداري والسياسي لقطاع غزة، بعد مقاومة امتدت لعقود واستبدالها بلجنة تكنوقراط مؤقتة تعمل تحت إشراف دولي مباشر. فالمقترح يهدف إلى تجريد الحركة من أدوات النفوذ اليومي المرتبطة بإدارة الخدمات والبلديات، وهو ما يشكّل خطوة نحو تقويض قدرتها على فرض سلطتها على السكان.
وفي المقابل، تُربط هذه الترتيبات بملف حساس يتمثل في الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حماس، بما يعكس مقايضة سياسية واضحة: إضعاف الحركة داخلياً مقابل تحقيق اختراق في قضية إنسانية وأمنية تحظى باهتمام دولي كبير.
ماذا نعرف عن لجنة تكنوقراط؟
تُعرَّف لجنة التكنوقراط بأنها هيئة إدارية مؤقتة تتألف من خبراء واختصاصيين في مجالات الاقتصاد والإدارة والهندسة والخدمات العامة، بعيداً عن الانتماءات الحزبية والسياسية المباشرة. ويُعوَّل على هذا النوع من اللجان في إدارة المراحل الانتقالية التي تعقب النزاعات أو انهيار مؤسسات الدولة، حيث يُنظر إليها كحل وسط يضمن استمرارية الخدمات الأساسية دون انخراط في الصراعات الداخلية.
وقد شهد العالم نماذج مشابهة في حالات متعددة؛ فبعد الحرب في البوسنة والهرسك أُنشئت إدارة دولية لإعادة بناء مؤسسات الدولة، كما تولّت لجان من التكنوقراط في العراق بعد 2003 مسؤولية تسيير شؤون الوزارات، وفي ليبيا ولبنان جرى تكليف حكومات تكنوقراط في مراحل حرجة لتجاوز الانسداد السياسي.

أي دور لمجلس السلام ؟
يشبه مجلس السلام الدولي المقترح لإدارة غزة إلى حد كبير تجارب سابقة اعتمدت فيها الأمم المتحدة أو التحالفات الدولية على شكل هيئات إشرافية لإدارة شؤون مناطق نزاعية مؤقتاً. فعلى سبيل المثال، بعد الحرب في البوسنة والهرسك، أسست الأمم المتحدة إدارة دولية لإعادة بناء مؤسسات الدولة وضمان استقرارها، بينما تولت في كوسوفو بعثة الأمم المتحدة (UNMIK) إدارة المؤسسات العامة وتسيير الخدمات الأساسية خلال الفترة الانتقالية.
وفي العراق بعد 2003، تم تعيين مجلس مؤقت من خبراء لإدارة الوزارات، بعيداً عن الانخراط المباشر في السياسة المحلية.
وتهدف هذه التجارب، مثلما يُطرح في مجلس السلام، إلى توفير إدارة محايدة وفعّالة خلال الفترات الحرجة، مع الحد من نفوذ الأطراف السياسية المحلية، إلا أن الانتقادات غالباً ما تتركز على تحديات الشرعية والسيادة الوطنية وتأثير التدخل الدولي على مستقبل القرار السياسي المحلي.

ترامب ووهم جائزة نوبل
ويبدو أن مبادرة ترامب في رعاية ما يسمى بـ"مجلس السلام" والإشراف على لجنة التكنوقراط في غزة تحمل بُعداً شخصياً لا يقل أهمية عن بعدها السياسي، إذ يسعى الرئيس الأمريكي إلى تعزيز صورته الدولية وتأكيد المقولة التي يتغنى بها دوماً بأنه أوقف سبع حروب خلال فترة حكمه، ما يجعله وفق خطابه جديرا بجائزة نوبل للسلام. غير أن هذا الطرح، في جوهره، لا ينفصل عن توجهاته الثابتة المنحازة لإسرائيل، إذ تُظهر الخطة حرصا على تقييد القوى الفلسطينية، وإعادة ترتيب الوضع في غزة بما يتماشى مع المصالح الإسرائيلية، أكثر مما تهدف إلى تمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم بصورة مستقلة.
في النهاية يبقى سؤال غزة الأكبر هل ستنجح إدارة "مجلس السلام" في تحقيق استقرار حقيقي دون تهميش الفصائل الفلسطينية، أم أن الخطة ستظل أداة لإعادة ترتيب النفوذ الدولي والإسرائيلي على الأرض؟
*منتصر اليحياوي